تأبينة موتي
إلى أين أرتأيت الوصول أيُها الحزين هل للعام العشرين؟
أتدري ماذا فعل بكَ هذا العام حتى غدوتَ كشقٍ يساري فارغ ينتابه البرود،لا تبالي لمن تكون أو ماذا أردت أن تكون،تعيش لإثبات الوجود،هل لك أن تشرع بالوقوف لأن نبضاتك قد بدأت لتوها بالجمود؟
لا أدري هل كنتُ عاقًا بوالديّ أم أنني كنتُ طاغيًا بالحب أتدرون لربما أحترقتُ بنارٍ أوقدتها بوقت من الأوقات؟
ها أنا ذا أروي لكم قصتي مِن عالم القبور بعد أن كنتُ اتهادى في دروب الحياة،أنتقل إليكم إلى الحادي عشرَ من نوفمبر من العامِ العشرين حيثُ بدأ العد التنازلي لتوديعي الحياة،حيث كنتُ جثة هامدة تصارع الحياة لربما حانَ الوقت لوقف الصراع فكما يُقال لقد حلت ساعة الموت، لعلّ توديع عالمي كان صعبًا أو لعلّني أرفضُ الاستسلام.
صدقوني لقد كافحتُ للبقاء؛لكنني تعرضتُ للغدر من أعضائي التي لطالما كنتُ مساندًا لها،أعضائي التي قَررت الهروب من المعركة وتَركي أكافحُ على سرير الإنهيار،لعلّها تشّدُ الخاطرَ لمعذبتي التي قطّعت أواصر المحبة بيننا وتركتني سجينًا تفتكُ بي العلات لا أُجيدُ منها الإفلات،أو جروحي النازفة التي تُهشم جسدي كحيوان هارب من البرية،ما بالُ معذبتي نسيت أن للرحمة معنى؟
أُراهن على نسيانها فظرف هدية أرسلته لي قبل أشهر لم أستطع له ردًّا ،بالغدر لم يعرف حدًّا ،جعلني أُعانق الأرضَ،آهٍ يا مُعذبتي أيمكن أن تعودي قليلاً بالزمن فأني وددتُ رفضَ هديتك لأنك فقدت حنيتك؟أتستطيعي تخفيف معاناتي يكفي لقد عانقتُ التراب؟
آهٍ على سفح ذاك الجبل منه بدأت نهايتي رأيتُ دمي يتقاطر على يدي كما المطر لوهلة أعتقدت أنني أتخيل إذ بي أُعانق الأرض وتضاربني نسمات عليلة ذهبت بي لقيلولة الموت،لقد رأيتُ حياتي تمر أمامي كأنني أشاهدُ فيلمًا هل حان الوقت حقًا؟هل أنتهت إقامتي وقُطعت تذكرتي وحان وقت العودة إلى ما خُلقتُ منه؟ أليس الوقت مبكرًا فما زلتُ صغيرًا في ريعانة شبابي؟
لقد رن منبه قلبي ودق مرات عديدة كأنه يقول قم أيُها الكسول وقت الرحيل لم يحن بعد مازال هناك وقت لتذوق القليل من الالام،وتجّرع جرعة من الأوجاع،وأن تُفنى في سجون العلات ،استيقظت إذ بي قد كُسيتُ بشتى أنواع الأجهزة أوقفتُ الوقت عند تلك الدقيقة لإخُلدَ إنتصاري على مُعذبتي فلم تستطع ترحيلي من عالمي،شَرعتُ بتحريك جسدي إذ به ساكن يأبه الحراك.
لم أعرف كيف ضاقت بي تلك الغرفة وبدأت بالاحتراق على ذاك السرير،الوقت يداهمني ،الدقائق استقرت في قلبي كوخز الإبر وما زلتُ عالقًا بلا حراك،لكانَ الموت أرحم لي من أن أعيشَ مكللاً بالأغلال عاجزًا عن المضي قدمًا ،طبيبٌ من ركام يعللني بآمال من حُطام،الأهل والأصحاب تفرقوا في دروب الأرض واندثروا لم أعد أراهم لعلّهم اختفوا من الطرقات،هل سأموت متعفنًا وحيدًا ها هنا؟أم أن الروح ستبعثُ بي من جديد؟
لقد أُوهمتُ نفسي بما هو مستحيل؛ لأن موتي ليس بالبعيد يَعمهُ التأكيد ،بدأ جسمي بالسقوط،جروحٌ نَازِفة،أعضاءٌ خائِنة وأنا وحيدٌ يَتقطع على ذاك السرير،لا أهل لا أصحاب فقط غدرٌ وخيانات،أوهام كاذبة وموت مؤكد،عيشٌ صعب تكلل بوجع والالام لا متناهية،أيام لا تمر ،ظلم لا ينتهي،جسد لا يرحم وروح حائرة، ذنوبٌ مُرهِقةَ،إلى متى لقد غَدوتُ عظمًا يكسوه قليل من اللحم؟
تنهيداتي تطاول عنان السماء،اتأوه في صمت،أنام متعذبًا أصافح الظلام الذي تداعبه أرواح حائرة همستَ لي وقالت عما قريب لا تخف،صدقًا لقد شعرت بالإرتياح فتلك أيام معدودة تمضي كما التصوير البطيء ،جالستني تلك الأرواح لربما نسافر سويًا في يوم من تلك الأيام،تَعانقَ رمشّي عيني وتباطأت نبضات قلبي ما بالكم لم أمت بعد أنني أُريحُ تلك الروح لتسافر عما قريب؟
مع بزوغ فجر يوم جديد أُرحبُ بألم جديد آواهٍ آواهٍ على آمالي التي ذابت كما الشمع ما عاد هُناك ما يستهويني ولا سعادة تأويني،ولا ضحكة تعيدني بل رأيتُ ما رمى بي إلى قبر من ظلام،سقوفه تبث لي سموم أفاعيها تتسلل لجسدي في خفية،عذابٌ غير مسبوق تناوب علي إذلالي وجعلي أُعاني،روحي تناجي خالقها فلم تعد تحتمل تنتظر بلهفة لتحلق إلى العُلا لتكسر تلك القيود لتودع تلك العهود وصولاً لليوم الموعود،لكن دروبها بالأشواك زُرعت،عن مسيرها توقفت.
لا بأس إن سُدت الطرق وأُقفلت الأبواب،لا بأس باحتراقي في الجحيم أو فنائي في جهنم،ما يُهم حقًا هو النجاة من تلك الالام الموحشة،وأن أغدو طيرًا حرًا طليقًا أضمُ السماء أو أسجن في جحيم،دقت ساعة الموت،تحولتُ إلى بياض،اختفت كل الالام،شرع جسمي بالحراك،أعضائي بدأت بالإعتذار،جروحي أوقفت نزيفها، تخلصتُ من ذلك الشحوب ، رحبتُ بقليلٍ من الإرتياح ،تَهافت الأهل والأصحاب لرؤيتي هل حقًا عرفوا الديار؟
تلك الأرواح كانت لي بالانتظار،جهزت لي الغرفة الوداع،وضبت روحي أغراضها استعدادً للسفر،العقل وضع أوامره وشرع القلب بالتنفيذ لأجل التوديع،بدأت النبضات بالسير كما العجوز،تسارع الأطباء لمنعي من المغادرة بدأ ذاك الجهاز جعلي أتطاير،وَخزاتهُ تحاول إيقاظي صعودًا هبوطًا بلا جدوى فقد غّلقت أبواب قلبي.
شيء خرج من داخلي وتلاه توقف الوقت،عيوني في الكون سائرة،طبيبٌ نظر إلى الوقت وقال فقدنا المريض دونوا ساعة الوفاة،ما كانَ عليه أن يقول فقدنا المريض وددت لو قال فقدنا من تعذب وتجرع الويلات،من دُفن حيًا تحت التراب،فقدنا روحًا بالغدر تغذت تكللت بالأوجاع، كان عليه أن يُوقف الوقت عند الساعة السادسة فتلك ساعة موتي،لا مشكلة سنلتقي في عالم القبور لشكره على تلك الجهود،بفضله تلاقت عينيّ وغُلِقت ،وتغطيت بغطاء يكسوه بياض.
لم تحملني قدميّ من هول ما رأيت، ما هذا الذي تراه عيناي؟ جالسون يتحادثون، على الهاتف يتضاحكون هل أخطأتُ العنوان؟ هل كنتُ سيئًا لتلك الدرجة؟
لا بكاء مستمر لا حزن باقٍ ليس هناك من يقول رحم اللّه قطعة من قلبي فقدتها، من روحي ودعتها، قطعة من عالمي احببتها،بل هنال من يضاحك بصمت ويأكل بفرح ويسخر بفخر تلك سكاكين تلقيتها في مراسم جنازتي لاعود إلى قبري؛لتنهي تلك الكائنات طعامها قبل أن يفقد لذته بعدما فقد ما يستند إليه.
لا ضّيرَ في ذلك لأقل لكم تأبينة موتي: الصعاب ستمر شئت أم أبيت صابرًا كنت أم عصيت ،لتجعل من قلبك جدارًا تستند عليه،ومن روحك سكنًا لك،ومن عقلك موطنًا لك كيلا تجري وراء المنكرات،لا داعي لبناء جسور من عداوات تُزينها بحقدك،لا داعي لإقفال قلبك بقيود قد تقتله،لا داعي لإرهاق نفسك بكل ذلك التفكير،لا تثقل نفسك بذنوب ومعاصي،لتبدل ظلامك نورًا ،لتكن لاهلك سندًا وعونًا ،إياك أن تكون مبنيًا للمجهول كن للخير فاعلاً ،لتترك بعضًا من تكبرك وغرورك فلا بد أنك رأيتَ إلى ماذا رمى بك ذلك الغرور،لتكن مغناطيسًا جاذبًا للخير ولا تكن موطنًا للشرور والاثام،لتكن من اللّه قريبًا فلا تدري متى وأين تودعك تلك الروح، ستجاورك اعمالك عندما يُسحب قابسك من عالمك وتنطفئ تلك الامانة التي تحملها بداخلك.
لتعلم أن جنازة الغد صاحبها يتنفس إلى الآن هل لك أن تعتبر؟! صديقي لا تدري متى ستسافر من هذا العالم وتقابل خالقك،لتطهر قلبك من بقع سوداء تلوثه ولتغسله بذكرٍ طيب وعمل صالح،ناهيكَ عن كسر القلوب فهي ليست شيئًا يمكن اصلاحه،إياك وإحداث الجروح فمحال أن تتوقف عن النزوف،لتكن كما قلتُ لك حتى لا تغدو وحيدًا كما أنا،تنتقل بين القبور فاقدًا للوجود تتمنى الوفاء بتلك الوعود،لو أن الزمن يعود ولتغدو خاليًا من تلك الندوب ، تفتقد بيتًا لم يُزار جنازتك لم تراه ،حذاري لك من الوقوف أمسك حلمًا ولا تعود،وسلامي لك من عالمٍ ليس بموجود.
تأبينة موتي
#
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق